بداية علم الفلك الحديث

وضع أفلاطون القواعد لعلم الفلك الإغريقي ووضع أر سطو وفيثاغورس نظريات مركزية الأرض. فحوالي سنة 140 بعد الميلاد اقترح بطليموس الفلكي الاسكندراني في كتابه (المجسطي) تمثيلا شاملا للكون وهو تمثيل هندسي في طبيعته يضع الأرض مركزاً للكون ويجعل القمر والشمس والكواكب تدور حولها والنجوم ثابتة خلف الكل. يتشكل هذا النظام من مجموعة هي كرات متمركزة بحيث يسبح عنصر فلكي في كل كرة. وان للقمر والكواكب الخمسة المعروفة آنذاك حركات دورانـية في  أفـلاك تدوير (Epicycles) تـدور مراكزهـا وفـق مسـارات دائرية تدعى الأفلاك الحاملة (Deferents). ولقد سمحت أفلاك التدوير بتفسير الحركة المتراجعة للكواكب وبصفة أهم حركاتها غير المنتظمة .حركات دورانـية في  أفـلاك تدوير (Epicycles)

بقيت نظرية بطليموس سائدة لغاية القرن الخامس عشر حتى ظهر العالم البولندي كوبر نيكس (1473 – 1543) ووضع نظرية فلكية اعتبرت من أهم النظريات في الفلك في ذلك الوقت. فقد بين كوبر نيكس أن الأرض ليست مركز الكون بل الشمس وأن جميع الكواكب تدور حول الشمس. وأن حركة الأجرام السماوية في الأرض هي حركة نسبية ناتجة عن دوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس.

وفي عصر كوبرنيكس ظهر عالمان فلكيان مشهوران استطاعا أن يطورا نظرية مركزية الشمس التي بدأها كوبرنيكس وهما: العالم الدنمركي تايكو براهي (1543 – 1601) الذي برع في تصميم آلات القياس الضخمة، مثل الربعية، وحصل على أرصاد دقيقة لحركة الكواكب لم يسبق لها مثيل في ذلك العصر،والعالم الثاني هو يوهانس كبلر (1572 – 1630) الذي وضع نظرية فلكية مبينة على القوانين والنظريات العلمية في الفيزياء والرياضيات، ومدعومة بالقياس والتجارب والأرصاد الفعلية لمواقع الكواكب. كانت نظرية كبلر صحيحة ودقيقة وتتفق مع الواقع والمشاهدات وفي نفس الوقت كانت أبسط من افتراضات من سبقه، وحلت كافة المعضلات وفسرت حركات الكواكب التي كان يكتنفها الغموض.  

القانون الأول لكبلر في الحركة الكوكبية: “الكوكب يدور حول الشمس بمدار إهليجي بحيث تكون الشمس في إحدى البؤرتين”

القانون الثاني لكبلر في الحركة الكوكبية: “الخط الواصل من الكوكب للشمس يمسح مساحات متساوية في أزمان متساوية أي أن سرعة الكوكب في الحضيض أكبر من سرعته في الأوج”

القانون الثالث لكبلر في الحركة الكوكبية: “يتناسب مربع زمن الدورة للكوكب (P) مع مكعب بًعد الكوكب عن الشمس (a) تناسبـا طرديـا. أي أن الكوكـب القريب من الشمس تكون دورته حـول الشمـس قصيـرة في الزمـن a3= P2

وفي تلك الفترة ظهر العالم الفيزيائي الإيطالي غاليللو (1564 – 1642)، واستطاع غاليللو باستخدام التلسكوب، ولأول مرة في التاريخ، أن يكتشف أن للمشتري أربعة أقمار تدور حوله، وأن لكوكب الزهرة أطوارا كأطوار القمر. وأن مجرة درب التبانة التي تظهر في السماء تحوي الملايين من النجوم، كما رصد القمر ووجد أن سطحه غير مستوي وفيه جبال وحفر. إن نظرية مركزية الشمس لم تكن مقبولة في ذلك العصر من قبل رجال الدين في الكنائس الكاثوليكية فقامت محاكم التفتيش في عام 1600م باعتقال العالم الفلكي جيوردانو برونو وحكمت عليه بالإعدام حرقا لأنه كان يؤمن بأن الأرض تدور حول الشمس وليست مركز الكون. وفي عام 1633 تم إحضار غاليللو إلى روما وحوكم وعذب، وهو في السبعين من عمره وأجبروه على إنكار نظام كوبرنيكس وجميع أفكاره عن مركزية الشمس.

استكملت نظرية مركزية الشمس وأصبحت مقبولة من معظم علماء الفلك في القرن السابع عشر بعد أن أوجد العالم البريطاني أسحق نيوتن (1643م – 1727م) قانون الجاذبية العام وقانون القوة المركزية ووضع أصول الميكانيك في كتابه المشهور “Principa” الذي صدر عام 1687م. استنتج نيوتن نظرية التجاذب الكوني التي تقرر أن كل جسمين ذوي كتلتين m1 و m2 تفصلهما مسافة r يتجاذبان بقوة F تتناسب عكسيا مع مربع هذه المسافة. بعد ذلك توالت الاكتشافات وتحسنت أساليب الرصد وتطورت المراقب (التلسكوبات) حتى تم اكتشاف أعضــاء المنظومـة الشمسيـة كما نعرفها الآن. ففي القرن الثامن عشر تمكن الإنكليزي أدمونـد هالـي (1656م – 1742م) من تحديد مسار المذنب هالي، وأكد أنه عضو في المنظومة الشمسية يدور حول الشمس، كما قام العالم الفرنسي ميسيه (1720م – 1818م) بوضع لائحة تحوي على أكثر من 100 سيديم استطاع رؤيتها بالتلسكوب (لائحة تحوي على عناقيد نجمية ومجرات وسدم ومرقمة بالحرف M أول حرف من اسم العالم ميسيه) وفي عام 1781م أكتشف هرشل الكوكب السابع أورانوس، ثم اكتشف في سنة 1846 العالمان ليفريه وجال الكوكب الثامن نبتون، وآخر كوكب تم اكتشافه من قبل العالم كلايد تومبو هو بلوتو في عام 1930م.

لقد استطاع علماء الفلك في العصر الحديث باستخدام وسائل الرصد كالتلسكوب من التأكد من أن الكون أوسع ممن كان متصور واكتشفوا أعدادا هائلة من النجوم والسدم والمجرات وأيقنوا ان الأرض ليست مركز الكون بل أنها تدور حول الشمس مع باقي الكواكب وان الشمس هي إحدى النجوم الكثيرة التي تنتشر في الفضاء الواسع.

ففي أول القرن العشرين وضع اينشتاين نظرياته المعروفة (نظرية النسبية) والتي كان لها أن تغير مفاهيم الكون وتفتح أبواب علوم الفلكية الحديثة في علم الكوسمولوجي Cosmology (علم الكون) الذي يبحث في تكوين الأجرام السماوية خارج مجرتنا ونظريات نشأة الكون. فكان السؤال الأول المطروح هل بعض السدم التي نراها بواسطة التلسكوبات هي في نطاق مجرتنا أم خارجها؟ فانقسم علماء الفلك قسمين فكانت في سنة 1920 ما يسمى المناظرة الكبرى (The Great Debate) بين العالمان Shapely و Curtis الذين تقابلا لمناقشة المسألة ولكن هذه المناظرة لم تحسم لصالح أحد حتى أتى العالم ادوين هابل (Edwin Hubble).

فقد قام هابل عام 1925 بوضع نظرية مبنية على الرصد والقياسات الدقيقة باستخدام التلسكوبات والمطياف تبين على أنه يوجد أعداد كبيرة من المجرات وتعتبر أنظمة مستقلة عن مجرتنا (Island Universe) ووجد سنة 1929 أن جميع هذه ألمجـرات تظهر انحرافـا نحو اللـون الأحمـر مما يدل على أنها تتباعـد عنا وبسرعات هائلة (Hubble Law قانون هابل).

About إحسان الحافظ

د. إحسان الحافظ باحث و متخصص في علوم الفلك و تاريخ العلوم

Check Also

علم الفلك العربي الإسلامي في المشرق

في سنة 571م ولد النبي محمد (ص)، وهاجر إلى المدينة المنورة في عام 622م وهي …

Leave a Reply