علم الفلك العربي الإسلامي في المشرق

في سنة 571م ولد النبي محمد (ص)، وهاجر إلى المدينة المنورة في عام 622م وهي السنة التي يبدأ بها التقويم الإسلامي بالسنة الأولى الهجرية. بعد موت النبي (ص) تولى الخلفاء الراشدون الخلافة من الفترة الممتدة بين 632م و 661م . لم يتفرغ العرب لأي من العلوم في ذلك العصر لإنشغالهم بالدعوة لنشر الدين الإسلامي.

وفي سنة 661م نشأت الدولة الأموية وإنتقلت دار الخلافة من المدينة المنورة إلى دمشق، وكان أول خلفاء بني أمية معاوية بن أبي سفيان .  كان عهد الأمويين عهد فتوحات أيضاً ولكن كمَ تخلله من بعض الفتن والحروب الداخلية. لذلك كان معظم خلفاء بني أمية منشغلين بأمور السياسة فلم يولوا اي إهتمام بنشرالعلوم .  وقد يستثنى من ذلك حفيد معاوية بن أبي سفيان وإسمه خالد بن يزيد بن معاوية و عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس .  يقال أن هؤلاء كان لهم شغفاً خاصاً بالعلوم وقد اشرفوا على ترجمة بعض الكتب العلمية من اليونانية والهندية إلى العربية .  هذه الترجمات لم تنتشر فبقيت جهوداً فردية ولكن يمكن اعتبارها مقدمات لحركة النقل وإنفجاراً للعلوم التي  سيشهدها العصر العباسي فيما بعد.

تأسست الدولة العباسية بعد سقوط الدولة الأموية عام 750م حينها  تمت معظم الفتوحات و ثبتت سلطة الدولة الإسلامية على كافة البلدان الإسلامية.  وإنتقلت دار الخلافة إلى بغداد التي أصبحت مركز الخلافة الإسلامية .  كانت الدولة العباسية تشمل العديد من الشعوب والأجناس كما ضمت الدولة العباسية غير المسلمين من المسيحيين ويهود والصابئة وديانات أخرى .  وأصبحت اللغة العربية – لغة القرآن – اللغة المستخدمة في الدولة، و أكثر الكتب العلمية في ذلك الوقت  نسخت باللغة العربية.

 يمتد العصر الذهبي للنهضة العلمية لهذه الدولة منذ بدء الخلافة بأبي العباس عام 750م وحتى نهاية خلافة المتوكل عام 861م .   يومها ابتدأت النهضة العلمية مباشرة بالخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور الذي أمر بترجمة الكتب العلمية و الفلكية اليونانية والهندية وأهمها كتاب “السـنـد الهـنـد” وهو كتاب أتى به عالم فلكي هندي إلى بلاط الخليفة المنصور فكان هذا الكتاب من أوائل المصادر التي إعتمد عليها العرب لتعليم نظام الترقيم ومنه تعرف العرب على حساب الهنود. 

عندما تولى الخلافة هارون الرشيد اهتم بالعلماء وشجعهم وأسس الرشيد (دار الحكمة) في بغداد التي ضمت العديد من العلماء في مختلف المجالات و ذلك لإجراء البحوث والدراسات،  تماما مثل مراكز الأبحاث في أيامنا الحاضرة .  مما زاد عدد المترجمين في دار الحكمة لترجمة الكتب اليونانية والهندية والفارسية إلى اللغة العربية .  عندما تولى المأمون الخلافة سنة 813م إزدهر علم الفلك إزدهاراً كبيراً. مما دفع المأمون لفرض علماء الفلك في الواجهة، فشجعهم لدرجة مشاركتهم في البحث والرصد . وكثيرا ما حاول تطهير علم الفلك من التنجيم والخزعبلات، وفأدخل علوم الرياضيات من هندسة وجبر ومثلثات في الدراسات والأبحاث الفلكية. كذلك انشأ المأمون أول مرصد في الدولة الإسلامية في بغداد وجهزه بكافة أدوات الرصد الفلكية المعروفةانذاك .  فكان يعقد فيه المجالس العلمية والأبحاث الفلكية مع العديد من علماء الفلك في ذلك العصر.

و قد تولى المعتصم الخلافة بعد المأمون و دامت خلافته من 833م – 847م . حينها بنى المعتصم مدينة سامراء (سر من رأى) ونقل الخلافة من بغداد إلى سامراء . كذلك بنى في سامراء المنارة الملوية .  كما أنشاء مرصداً فلكياً في سامراء، استمر المعتصم في رعايته لعلماء الفلك .  فكان عصر الدولة العباسية منذ عهد أبي جعفر المنصور وحتى منتصف القرن الثالث الهجري هو العصر الذهبي لعلم الفلك،  فظهر العديد من العلماء المشهورين الذين وضعوا النظريات الفلكية والرياضية ووضعوا الازياج (جداول حسابية فلكية) والتقاويم كما طوروا الأجهزة الفلكية (مثل المزولة أو الساعة الشمسية والإسطرلاب) وأنشاؤا المراصد الفلكية .  و طوروا علم الفلك بشكل لم يسبقهم إليه أحد .  كان العلماء العرب و المسلمين الورثة الشرعيين لتراث الإغريق في الفلك، إلا انهم تقدموا على الإغريق وصححوا الكثير من المفاهيم والأخطاء لعلماء الفلك اليونانيين واوجدوا النظريات العلمية واصبحوا بحق رواد لعلم الفلك في القرون الوسطى .  ومن العلماء العرب و المسلمين الذين ظهروا خلال الفترة من منتصف القرن الثاني للهجرة إلى منتصف القرن الثالث، موسى بن شاكر وأولاده، الكندي، الخوارزمي، ثابت بن قرة، ألبتاني، الفرغاني  و أبو معشر البلخي. 

أما العصر العباسي الثاني فقد بدأ عندما تولى المتوكل الخلافة سنة 232هـ / 847م.  ولكن ذلك العصر أصبح عصر ضعف وإنحلال للدولة العباسية حيث كان الخلفاء العباسيون تحت سيطرة الأتراك ثم البويهيين ثم السلاجقة وظهور الخلافة الفاطمية في مصر.  وأما علماء الفلك الذين إشتهروا في تلك الفترة فنذكر منهم: الصوفي ، البوزجاني، ابن الهيثم،  البيروني، ابن سينا  و عمر الخيام.

وفي القرن الثالث عشر الميلادي إجتاح التتار بلاد العرب و المسلمين وسقطت بغداد في سنة 1258م على يد هولاكو خان الذي حاصر بغداد ثم نهبها واحرقها وقتل آخر الخلفاء العباسيين ثم احتل حلب والشام وانزل بهم الدمار والمذابح التي لم يشهد مثلها التاريخ .  فأصبحت البلاد العربية والإسلامية مقسمة إلى إمارات وسلطنات تحت حكم المغول والتتار، أما الأجزاء القريبة من بلاد المشرق العربي مثل الشام فكانت تارة  بين حكم الصليبين وتارة  بين حكم المغول والتتار . اما مصر فأصبحت تحت حكم الامراء المماليك .  ونتيجة للمذابح التي قام بها التتار تشرد العلماء وعمت الفوضى والمجاعة أرجاء البلاد في حين تراجعت العلوم خاصة في المشرق  العربي بإستثناء بعض العلماء أمثال نصر الدين الطوسي الذي كان على صلة جيدة مع هولاكو خان فتمكن من إنشاء اعظم المراصد الفلكية في ذلك العصر، وهو مرصد (المراغة).  و ظهر لاحقا اولغ بك وهو أحد أمراء التتار الذي كان شغوفا بعلم الفلك فشجع البحوث العلمية وخاصة علم الفلك وبنى مرصدا (مرصد ولغ بك) في سمرقند ووضع زيجه المشهور ” الزيج الجديد السلطاني” الذي ترجم واشتهر في اوروبا فيما بعد.  كما ظهر أيضا ابن الشاطر في دمشق (1304م – 1375م) الذي وضع كذلك زيجة سميت باسمه “زيج
ابن الشاطر”. كما اهتم ابن الشاطر في تطوير الآلات الفلكية اهمها الساعة الشمسية و تستعمل لحساب اوقات الصلاة و التي ما زالت موجودة في الجامع الاموي في دمشق.

About إحسان الحافظ

د. إحسان الحافظ باحث و متخصص في علوم الفلك و تاريخ العلوم

Check Also

بذور النهضة الأوروبية تبدأ في الأندلس 

“البحر من ورائكم و العدو أمامكم” بهذه العبارة دخل طارق بن زياد مع جنده الى …

Leave a Reply