فمما لا شك فيه ان اكتشاف المنهج العلمي هو من اهم التحولات التي اوصلت العرب الى وضع الدراسات العلمية التي تستند الى منهج تجريبي في العلوم. و في ذلك يقول بريفو Brifault في كتابه ( تكوين الانسانية ) ” ان الاغريق قد نظموا وعمموا و وضعوا النظريات, ولكن روح البحث وحشد المعرفة اليقينية وطرائق العلم الدقيق والملاحظة الدائبة المتطاولة ، كل اولئك كان غريبا عن المزاج الاغريقي . وانما كان العرب هم اصحاب الفضل في تعريف اوروبا به . وبكلمة مختصرة ، ان العلم الاوروبي مدين بوجوده للعرب “.
فمن المعروف ان العرب اخذوا عن اليونان العلوم الفلسفية والمعرفة الرياضية والطبية والفلكية ولكنهم اضافوا اليه عنصر الملاحظة والتجربة فتفوقوا عليهم في العلوم و صناعة الالات ومنها الات الرصد الفلكي فتم بذلك انشاء اوائل المراصد المتخصصة في العالم.
فقد انشاء العرب والمسلمين المراصد الفلكية في كافة المناطق التي انتشرت بها الحضارة العربية والاسلامية منذ العهد الاول ابتداء بالخلافة الاموية وحتى الدولة العثمانية اخر الدول الاسلامية الكبرى.
اولى المراصد
يكتب بعض المؤرخين ان الامويين قاموا باولى الارصاد الفلكية في الدولة الاسلامية في دمشق. الا ان العباسيون وفي خلافة المأمون هم الذين انشاؤا على الارجح اول مرصد متخصص في الرصد الفلكي في الشماسية في بغداد. وكان يحيى بن ابي منصور احد اهم العاملين في مرصد بغداد والذي كان قد جهز من قبل الخليفة المأمون بأهم وأحدث و أدق الالات الفلكية في ذلك العصر. كما تم ايضا انشاء مرصداً على جبل قاسيون بدمشق في السنوات الاخيرة من خلافة المأمون والذي تم فيه رصد الشمس والقمر وفقا لبرنامج علمي خلال سنوات عمل هذا المرصد.
كما قام بنو موسى بن شاكر وكذلك حبش الحاسب وسنان بن ثابت بأنشاء مراصد اخرى ببغداد الا ان كثيرا من هذه الارصاد والمراصد كان عمل فرديا يتوقف العمل بها بعد وفاة مؤسسه . فكان هنالك كثيرا من هذه المراصد الخاصة والتي انتشرت في مختلف ارجاء البلاد العربية والاسلامية كمرصد البتاني في مدينة الرقة في شمال سوريا ومرصد ابن الشاطر في دمشق ومرصد الدينوري في أصبهان. ونذكر ايضا مرصد عبد الرحمن الصوفي في اصفهان الذي رصد الكواكب الثابته ووضع كتابه الشهير ” كتاب صور الكواكب الثمانية والاربعين”.
كان لكثير من هذه المراصد الدعم المالي من قبل الامراء او الخلافاء على مر العصور ونذكر على سبيل المثال مرصد شرف الدولة البويهي الذي بنى في بغداد والذي عمل به البوزجاني ومرصد جبل المقطم الذي اقامه الفاطميون في مصر والذي عمل به ابن يونس وعرف بأسم المرصد الحكمي. ولعل مرصد المراغة والذي بناه نصير الدين الطوسي والذي مول بناءه هولاكو خان من اشهر هذه المراصد واكبرها.
المراصد الكبرى
اشتهر مرصد المراغه بكبره ودقة اجهزته وعدد العلماء والباحثين المشتغلين به كامثال الطوسي والعرضي وقد تم وضع في هذا المرصد اهم الجداول الفلكية في ذلك العصر في الكتاب المسمى بالزيج الاخاني فكان هذا المرصد نموذج للمراصد الكبرى اللاحقة ومن اشهرها مرصد سمرقند ومرصد اسطنبول .
اسس مرصد سمرقند في سنة 1420م من قبل الحاكم الغ بك واما مرصد اسطنبول فقد تم انشاءه في سنة 1575م على يد تقي الدين الفلكي . كما وانه قد تم انشاء عدة مراصد في الهند مستوحاة من مرصد مراغة وكان من اخرها مرصد جايبور والذي ما زالت كثيرا من الاته موجدة الى اليوم .
ويرى كثيرا من المؤرخين ان لهذه المراصد الكبرى الاثر الكبير في تطور علوم الفلك في اوروبا وذلك ان نظام انشاء وتوزيع الالات في المراصد الاوروبية انما هى ايضا مستوحاة من المراصد الكبيرة في البلاد العربية والاسلامية كمرصد مراغة ومرصد اولغ بك.
علم و عالم